المواعظ
%PM, %18 %791 %2018 %20:%آب

الأحد السابع من الصيف - الفضائل: الصدق

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

الأحد السابع من الصيف

الفضائل: الصدق (لو 18: 1- 14)

يروي لنا آباؤنا الروحيون عن جدالٍ حصل بين رُهبانٍ عن أهم اللحظات في حياة ربّنا يسوع: فقال بعضهم: ولادته في بيتَ لحمِ، وقال آخرون: قيامته من بين الأموات، وآخرون: إقامةُ لعازر. ثم توجهوا بالسؤال إلى معلّمهم: ماذا تقول يا معلم؟ ما الحدث الأهم في حياة يسوع؟ فأجاب: الحدث الأهم في حياة ربّنا يسوع، هو أنه كان يعي ما يقول! فحياتهُ كانت صلاة، وصلاته كانت حياة. 

لحظات الصلاة إلى الله هي أقدس لحظات حياتنا، ويُريدنا ربّنا يسوع المسيح أن نعي أهميّتها في حياتنا لأننا فيها نقف أمام حضرة الله حاملين إنسانيّتنا بكل ما تتضمنهُ من ضعفٍ وهشاشةٍ وإيمان بالله الآب. يُخبرنا الإنجيلي لوقا أن ربّنا يسوع كان يقضي الليل كلّه في الصلاة ويستمّد من لحظات الصلاة القوّة ليواصِل البشارة بملكوت الله. صلّى وقت عماده من يوحنّا المعمذان (لو 3: 21)، وقبل اختيار الرُسل (لو 6: 12- 13)، وعند التجلي (لو 9: 28) وفي بستان الزيتون (لو 22: 41). ولأننا لا نُحسِنُ الصلاة إلى الله مثلما يقول الرسول بولس (روم 8: 26)، يُعلّمنا ربّنا يسوع اليوم كيف نُصلي إلى الله الآب:  أن نُعظَمه دوما: "تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي" (لو 1: 46)، ونُبارَكه: "تَبارَكَ الرَّبُّ إِلهُ إِسرائيل" (لو 1: 68)، ونتوخى تحقيق مشيئتهُ: "ولكِن لا مَشيئَتي، بل مَشيئَتُكَ" (لو 22: 46). 

أول درس في مسيرة الصلاة هو أن يكون فينا الرغبة في الصلاة والمثابرة عليها، لاسيما في الساعات التي يبدو فيها الله غائباً وكأنه لا يسمع صلاتنا ولا يُصغي إليها. المثابرة على الصلاة هو فعل إيمان بالله الآب الذي نُصلي إليه مؤمنين بأنه يعرِفنا ويُحبنا ويُريد لنا الخير، حتّى لو اختبرنا "الليالي المُظلمة" كالتي اختبرها قديسو الكنيسة. كانت القديسة الأم تريزا تقول: "إذا أردت أن تصلي بشكل أفضل، صلِّ أكثر"، هي التي اختبرت سنوات طويلة من صمت الله الذي صلّت إليه دوما: "يا رب عرّفني إرادتك لي"، ولم تسمع منه شيئا، ولكنها واصلت الصلاة.  

وهذا يقودنا إلى الدرس الثاني وهو: عندما نُصلي علينا أن ندع المجال لله أن يُحدثنا فنصغي إليه لأننا نُريد مشيئتهُ هو: "أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ" (لو 1: 38). فالصلاة ليست إستعراضاً لحاجاتنا ورغباتنا وتطلّعاتنا بل إستعداد للإصغاء إلى مشيئة الله والعملُ بها: "هاءَنذا". أن نُصلي إليه معترفين بإبوتهِ، فندعوه "أبا"، مؤمنين بأننا أبناء له بيسوع المسيح بكرِنا، الذي حملنا في صلاتهِ إلى الله الآب، وعلّمنا أن نُصلي: "الصلاة الربية"، ولا ينبغي ان أتقدّم للصلاة لوحدي، بل أحمل في صلاتي كل إخوتي وأخواتي بمحبةٍ. الصلاة ليست فرصة للشكوى على الآخرين وفضح أخطائهم، بل الوقوف أمام الله الآب حاملين بمحبةٍ كل الناس إليه، حتّى البعيدين عنهُ. لقد حاولنا ان نكون قُربهم لخدمتهم جسديا أو روحيا، ولنا في أمنّا مريم خيرُ مثالٍ، فعندما عرِفت أن الله اختارها لرسالةٍ عظيمةٍ، وقدّسها لتحمل كلمتهُ، إنطلقت تخدم مَن هم بحاجةٍ إلى الخدمة. 

ويأتي الدرس الثالث في كيفية الصلاة ليؤكِد على ضرورة أن نكون صادقين مع الله ومع أنفسنا عندما نُصلي إليه، لأننا مؤمنون بأنه الأب الذي يعرِفنا ويعرِف ما في قلوبنا مثلما يُصلي المزمّر: "يا رَبِّ قد سَبَرْتَني فَعَرَفتني

عَرَفْتَ جُلوسي وقِيَامي. فَطِنتَ مِن بَعيدٍ لأَفْكاري. قَدَّرتَ حَرَكاتي وسَكَناتي وأَلِفتَ جَميعَ طرقي. قَبلَ أَن يَكونَ الكَلامُ على لِساني أنتَ يا رَبُّ عَرَفتَه كلَه. مِن وَراءُ ومِن قُدَّامُ طوَقتَني وجَعَلتَ علَيَّ يَدَكَ. أَنتَ الَّذي كونَ كُليَتَيَّ ونَسَجَني في بَطْنِ أُمِّي. أَللَّهُمَّ اْسبِرْني واْعرِفْ قَلْبي إِمتَحِنِّي واعرِفْ هُمومي" (مز 139). الصدق يعني إذاً أن نقفَ امامهُ مثلما نحنُ، وهو، بمحبتهِ الأبوية سيأخذنا إليهِ من حيثما نحن ليُوصلِنا إليه. عندما نأتي إلى الصلاة لنُعبّر في كلِّ لحظة من هذه اللحظات عن إيماننا بالذي دعانا للصلاة إليه، فنترُك له المجال ليُصلي هو فينا ومن خلالنا. أن ندع نورهُ يُنير حياتنا ويُعرّفنا أين نحن منهُ: "الَّلهُمَّ ارْحَمْني أَنا الخاطئ!"، فمحبة الله والقريب تتطلّب الصدق: "ولْتَكُنِ المَحبَّةُ بِلا رِياء" (روم 12: 9).  

نحن نعلَم أننا لا نعي ما نقولهُ في الصلاة مثلما حصل مع بطرس على جبل التجلي: "قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: "يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا! ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول" (لو 9: 33). أو اننا نُكثرُ الكلام عن أنفسنا وحياتنا ومنجزاتنا مثل الفريسي، وهذا يدفعنا إلى إنتقاد موقفين: تبرير خطايانا وانتقاد الآخرين". أو التراجع عن الصلاة إلى الله لأننا قدّمنا له سلسلة طلبات ولم يستجب لنا. 

نحن مدعوون لأن نعيش حياتنا بصدقٍ، فنقف أمام الله من دون أقنعة ونكون أمامهُ مؤمنين بمحبتهِ، شاكرين إياه على قبولهِ لنا، مُباركين إياه على الخير الذي صنعهُ فينا ولنا، ومتأسفين على الخير الذي كان بمقدورنا أن نصنعه ولم نلتزِم به. ليس علينا أن نُبرر له خطايانا فهو يعرِف خفايا قلوبنا، ويعرِف اننا نُخطئ أحيانا لا عن جهلٍ بل عن سوء نيةٍ ورغبة في الشر، ولكنه مستعدٌ لأن يمنح لنا الغفران إن طلبناه بصدقٍ، تماماً مثلما فعلَ العشار الذي انحنى أمام الله معترفاً بأنه إبتعدَ عن محبتهِ، لم يكذب أمام الله، ولم يُطالِب الله بأن يمنحهُ الغفران لأنه جاء يُصلي، بل تركَ ذاته كليا بين يدي الله طالباً الرحمة: "إرحمني يا الله"، وهذه الرحمة قادرةٌ على تغييره: أقول لكم: هذا العشار نزلَ إلى بيتهِ مقبولاً عِندَ الله.

قراءة 20747 مرات

244 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *