الأحد السادس من الصيف
الفضائل: الامتنان (لو 17: 5 – 19)
طلب البُرص العشرة من ربّنا يسوع نعمة الشفاء متضرعين إليه قائلين: "إرحمنا"، لأنهم كانون يؤمنون أن البرص مرضٌ بل لعنة من الله وعقابٌ على خطيئة. ولأن ربّنا يسوع المسيح، كلمة الله المُحِبة وحضوره الرحوم، جاء ليُصالِح الإنسان مع الله، أَمرهم بالذهاب إلى الكهنة ليكونوا علامة حضور الله المُحِب والشافي. كان عليهم أن يؤمنوا بكلمةِ ربّنا يسوع، أمرهم بالقيام بفعل يتطلّب الكثير من الشجاعة: الذهاب إلى أورشليم، حيث مركز الرئاسة الكهنوتية، وكانت مدينة محرمة عليهم لأنهم مصابون بمرض معدٍ كانوا يعتقدون انه نتيجة غضب الله عليهم جميعهم ذهبوا من دون أن يسألوا: متى نُشفى؟ وكيف سنُشفى؟ آمنوا بما قاله ربّنا يسوع فنالوا الشفاء. فكان الشفاء ثمرة الطاعة ولكنهم عبروا في الوقت نفسه عن إيمانٍ ناقص، لأنهم تصوروا أن على يسوع، بصفته مسيح الله، أن يمنحهم الشفاء، وكأنهم يستحقونَ ذلك. لذا، لم يعودوا ليشكروا، وهو ما حذّر منه موسى الشعب عندما أوصاهم بأن لا ينسوا أن الله هو الذي أخرجهم من مصر العبودية وحررهم ليعيشوا حياته بكرامةٍ: " تَنَبَّهْ لِئَلاَّ تَنْسى الرَّبَّ إِلهَكَ، ... مَخافةَ أَنَّكَ، إِذا أَكَلتَ وشَبِعتَ وبَنيتَ بُيوتًا جَميلةً وسَكَنتَها وكثُرَ بَقَرُكَ وغَنَمُكَ وفِضَّتُكَ وذَهَبُكَ كلُّ ما لَكَ، يَشمَخُ قَلبُكَ فتَنْسى الرَّبَّ إِلهَكَ الَّذي أَخرَجَكَ مِن أرضِ مِصْر، مِن دارِ العُبودِيَّة ... ولئَلاَّ تَقولَ في قَلبِكَ: إِنَّ قُوَّتي وقُدرَةَ يَدي صَنَعتا لي هذه الثَّروَة. بل تَذكر الرَّبَّ إِلهَكَ، فإِنَّه هو الَّذي يُعْطيكَ قُوَّةً لِتَصنع بِها الثَّروَة، لِكَي يُثَبِّتَ عَهدَه الَّذي أَقسَمَ بِه لآبائِكَ كما في هذا اليَوم" (تث 8: 11- 18).
أما الأبرص الشاكِر، الذي شفيَّ وهو في طريقهِ إلى لقاء الكاهنِ، فكشف عن معنى الإيمان ومضمونهِ. فالإيمان يعني أولاً: تمجيد الله وشُكره على أنه الآب المُحِب والصالح دوماً: "إحمَدوا الرَّبَّ فإِنَّه صالِح فإِنَّ للأبد ِرَحمَتَه" (مز 136: 1)، هذا الصلاح وهذه الرحمة تعود بالخير على الإنسان الشاكر. فالشُكر خير تعبيرٍ عن إيمانٍ نزيهٍ بالله الذي نعبدهُ ونُحبهُ ونعترِف بأنه هو الإله، الآب المُحب الذي يستحق أن يُشكَر دوما، وبذلِك نُبيّن أننا قد تخلينا عن أنانيّتنا التي تدفعنا مراراً إلى الإعتداد بالنفس متفاخرين متناسين الله الخالِق، أو إلى تقديم شُكرٍ مشروطٍ بحالة الرفاهية التي نعيشها. فغيابُ الإمتنان عن حياة الإنسان يكشفِ عن شكلٍ من الأنانية والتمركزِ حول الذاتِ وكأني بالشخص يقول: إني أستحقُ أكثر مما نلتُ! فلا حاجة إلى الشُكر والإمتنان؟ فالشُكر يجعلنا نفتخِر بأننا لولا محبة الله الآب ورحمتهِ ما كُنا على ما نحن عليه، مثلما أنشدت أمنا مريم عند زيارتها لإليصابات (لو 1: 46- 55).
لقد شعرَ السامري بأنه غير أهلٍ لمثل هذه العطية فعادَ ليشكرَنعمة حضور الله بيسوع المسيح. لقد أكتشفَ السامري مَن هو ربّنا يسوع: هو الطريق إلى الله. فالإيمان بيسوع يقودنا إلى الله الآب، فربّنا يسوع يحملنا إلى الله الآب، الذي أرادَ أن يُصالحنا بابنهِ يسوع المسيح. فعلُ الإيمان يكتمل إذن بالعودة إلى الله ممجدين إياه. فالإيمان فعلُ من الله وعودةٌ شاكرةٌ إليهِ. فلنتعلّم من السامري فضيلة الإمتنان لله الآب، ونشكره على أنه اختارنا لنكون له أبناء بالمسيح يسوع: "أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله" (يو 1: 12). لنتعلّم منه أن تبدأ صلاتنا إلى الله الآب بعبارة: "أَحمَدُكَ يا أَبَتِ" (متّى 11: 25)،" شُكراً لَكَ، يا أَبَتِ" (يو 11: 41).
الشُكر فضيلة مسيحية فيها نمدح الله ونُباركهُ لا في أوقات الفرح والغبطة فحسب، بل في أوقات الحزن والأزمات أيضاً"إِفرَحوا دائِمًا، لا تَكُفُّوا عن الصَّلاة، أُشكُروا على كُلِّ حال، فتِلكَ مَشيئَةُ اللهِ لَكم في المسيحِ يسوع" (1 تسا 5: 16- 18).لنُبيّن في ذلِك عن قوة الإيمان بالله الآب المُحِب الذي يرافقنا بمحبتهِ وعنايتهِ، لاسيما وقت الصعوبات مثلّما صلى داود: "أعَظِّمُكَ يا رَبُّ لِأَنَّكَ اْنتشَلتَني ولم تُشمِتْ بي أَعْدائي (مز 30: 1-12). الشُكر لله الآب الذي يُقوينا وقت ضعفنا ويهبَ لنا الخير الذي نحن بحاجةٍ إليه في الوقت المناسب. الشكر لله في كل وقتٍ حتّى في اوقات الشّدة: "الرَّبُّ أَعْطْى والرَّبُّ أَخَذفلْيَكُنَ اسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا" (أيوب 1: 21). فالشخص المُمتن إنسانٌ متواضعٌ ومُتحسسٌ للمحبّة التي قبلها من الله ومن الآخرين، بل يحسبَ أن هذا الحُبَ واللطفَ اللذين قبلهمامنهم علامة لنعمةِ الله، وعلينا أن نشكرهُ على الصحة والصداقة والعائلة والجماعة كلها نِعمٌ علينا أن نشكرَ الله عليها. لأن الشكر تعبير عن الإيمانِ: "إيمانُكَ خلّصكَ". إيمانٌ لم يظهر في طلبِ الرحمةِ والشفاءِ فحسب، بل في ترتيلة الشُكر والتمجيد التي رتّلها السامري. وهو يدعونا لأن نكون شاكرين لله الآب على محبتهِ ورحمتهِ. أن نشكرهُ حتّى لو لم نحصلَ على ما نُريد لأننا في شُكرنا سنسعى للحصولِ عليهِ. نشكرهُ حتّى لو كُنّا نجهلُ أمراً ففي شُكرنا سنحاول أن نتعلّم. نشكرهُ حتّى لو شعرنا أننا محدودونَ لأننا في شُكرنا سنتغلّبُ على محدوديّتنا. نشكرهُ حتّى لو أخطأنا لأننا في شُكرنا سنُقرُّ بأننا تعلّمنا الدرس ولو كان قاسياً. نشكرهُ بإمتنان في كل وقتٍ.
لنسعَ لنجعل بيوتنا مدرسة إيمان ونعلّم أبناءَنا كيف يكونونممتنين في حياتهم، من خلال الإمتنان المُتبادَل الذي يُنعِش حياة الزوجين على حّد تعبير البابا فرنسيس. لنوجّه أولادنا إلى أن ينظروا بعين الشكر والإمتنان إلى حياتهِم، ويكتشفوا النعم والامكانيات التي وُهِبَت لهم. أن يشكروا الله على نعمة العائلة التي تحتضنهُ، ويتوقفوا عن التذمّر أو عدم الرضى وكثرة الطلبات التي لا تنتهي، فليس من الصحيح أن نُقدِم لأولادنا كل ما يطلبوهُ، بل توجيههم ليُقدّروا ما يمتلكونهُ، وأن يتعلّموا أن يشكروا بإمتنان على كلّ ما وُهِبَ لهم.