المواعظ
%AM, %04 %253 %2018 %08:%آذار

الأحد الرابع من الصوم "الإنسان بحاجة إلى التوبة"

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الأحد الرابع من الصوم

"الإنسان بحاجة إلى التوبة" (متّى 21: 23- 46)

ماذا تظنون؟ 

سؤال بدأ فيه ربنّا يسوع مثل الابنين وفيه وجهّ دعوتهُ إلى رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب ليتأملوا محبّة الله في حياتهِم، التي تجعلهُ، وهو الخالِق، يتصرّفَ كأبٍ مُحبٍ يتطلّع إلى محبتهم المجانية له. أبٌ يذهَب هو بنفسهِ إلى أبنائهِ ويطلُبَ منهم التعاونَ معه من خلال العمل في كرمهِ، في إشارةٍ إلى الآب السماوي الذي يتعاون مع الإنسان بيسوع المسيح طالباً منه العمل في مواصلة عمل الخلق والحفاظ على الخليقة مكاناً حسناً للعيش. دعوةٌ بيّن فيها الآب محبَته وحكمَتَهِ التي يُقدمها بتواضعٍ وإحترامٍ كبير لحُرية الإنسان. 

فلم يُميّز الآب في طلبِ العمل في الكرم بين إبنيهِ، فالطلب كان مُماثلاً: "يا آبني آذهَب اليوم وآعمل في الكرمِ"، والابن الصالح لن يكون ذاك الذي يُجيبُ بطيبِ الكلام، بل ذاك الذي يعملَ ما يُريدهُ الأب. ويبدو من رواية المثل أن للأبِ علاقةٌ ناضجةٌ مع إبنيهِ، فالأب ذهبَ بنفسهِ وطلبَ من إبنيه "العمل في الكرم" ولم يُرسِل لهما رسولاً، ولم يعد الآب إبنيهِ بمجازاة مثلما لم يُهدِدهما بعقابٍ بل تركَ لهما حُرية القرار، حتّى إن الابنَ الأول رفض الطلبَ ولم يخشَ العقابَ. الآب أرادَ من إبنيهِ ان يُحباه بحريةٍ دون البحثِ عن مجازاةٍ أو خوفٍ من عقاب. هكذا يُنشئ الله الآب عائلتهُ البشرية من خلال علاقاتٍ محبّة يهبُ فيها كل طرفٍ محبتهُ مجاناً: "مجاناً أخذتُم مجاناً أعطوا". وفي مثل هذه اجواء المحبّة كان بإمكان الابن الأول أن يُغيّر موقفهُ: يتوبُ ويعدَل عن قرارهِ: "نَدِمَ ومضى"؛ ذهبَ وعمِل في الكرمِ مثلما أرادَ الآبُ، فطلبُ الآب كان له مكانة خاصّة في نفسهِ، وجوابهُ القاسي لم يكن على مستوى العلاقة، وبقي يُفكّر في كل هذا، حتّى إهتدى إلى الحقيقة، وكشفَ في ذلِكَ عن ضميرٍ حيٍّ ورغبة في تحمل مسؤولية "أن يكون الابن". فجاء خمرُ الكرمٍ مُباركاً بعلاقة المحبّة التي جمعت الأب بإبنهِ وبالغفران المجانّي وبالتوبة الملتزِمة. 

أرادَ ربّنا يسوع في هذا المثل أن يُثير في نفوس رؤساء الكهنة وشيوخ الشعبِ إمكانية التفكير عميقاً في واقعِ حياتهِم، ليتعرّفوا إلى حقيقة مواقفهم أمام الله، فيُوقِظُ القلبَ والذهنَ والفكَر والضمير، ويحكموا على واقعِ حياتهم بأنفسهم: هذا أنت يا إنسان! هذا ممكن إن كان في الإنسان الرغبّة في البحثِ عن الحقيقة، في البحث عن الله. رغبةٌ تتقدُ فيه وتجعلهُ يحاول كل الطرقِ ليصلَ إليها، مثلما حصلَ مع تلميذي عمّاوس (لو 24: 13- 25)، ومريم المجدلية (يو 20: 11- 18)، والذين اكتشفوا أنه هو الذي كان يبحثُ عنهم ليجدهُم حيثُما هم. 

أرادَ ربّنا يسوع أن يدعو رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب إلى التفكير جدّيا في أن رفضهم وعصيانهم يُمكن أن يكون لهم فرصة للإنفتاح على حقيقة محبّة الله، الآب السماوي بيسوع المسيح، فتضحى الخطيئة والرفض والعصيان فرصة نعمةٍ، ويكونوا فعلّة مُحبين على مثال قلب الأب، لا من خلال أقوالٍ طيّبة، أفعالٍ مُلتزمةٍ: " لَيسَ مَن يَقولُ لي "يا ربّ، يا ربّ" يَدخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بل مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الَّذي في السَّمَوات" (متّى 7: 21). 

وإزاء عنادهم وعجرفتهم، وجه إليهم ربّنا يسوع تعليماً قاسياً منطلقاً إلى رؤساء الكهنة وشيوخ الشعبِ، من جوابهم على سؤالِ: "مَن مِن هذين الإثنين فعلَ إرادة أبيهِ"، ليُعلِنَ أن العشارين والزواني، والذين يرفضهم المجتَمع يسبقونهم إلى ملكوتِ السموات. فالذين يعدّونهم "حثالةً المجتّمَع"، تابوا على يدِ يوحنا المعمذان، فكيفَ لا يتوبَ المتضلعون في الشريعة؟ ولكن، تصلّبَ الإنسان في تكبرهِ ومواقفهِ، وإعتقادهُ "بسمّو مكانتهِ" يمنعهُ من رؤية علامات حضور الله في الحياة، ولذلك، كانت توبة رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب أشبه ما تكون بمعجزة. ما يُريده ربّنا يسوع هو: إهتداءُ القلب وندامةٌ صادِقة وتوبةٌ مُلتزِمة: "نَدِمَ ومضى". 

ربّنا يسوع يرى في كل إنسان حاجة إلى التغيير نحو الأفضل، ويؤمِن بإمكانية الإنسان في التغيير، إذا تواضَعَوقَبِلَ محبّة الله الآب الذي يُعطيه الفرصة تلو الأخرى ليتوبَ ويهتدي إلى محبتهِ. ربنّا يدعونا إلى التأمُل في الــ"نعم" التي نعلنها مراراً قولاً وننكرها فعلاً، لأنها "نعم" الشفاه وليست "نعمُ" القلبِ، والسبب هو: "نظرتُنا المتعجرفة" إلى أنفسنا التي تمنعنا من التعرّف إلى حاجتنا إلى التوبة ورؤية حقيقة حياتنا. 

فهل نشعرُ نحن، وقد وصلنا إلى منتصف الصومِ بحاجتنا إلى التوبة وإلى الغفران؟ وهل تأتي توبتُنا صادقة ومُلتزمة فنُعبّر بها عن ندامة وإهتداء جذري على مثال الابن الأول، أم إنها مجرّد عبارات طيّبة لا تحمل ثماراً مثل الأرضِ التي قبِلت البذار بسرعة ويبستَ مع شروق الشمس؟ إن كان شعورنا بالحاجة إلى التوبة يتحدد في زمن الصوم فحسب لأنه فترة توبوية، فنحن لسنا أفضل من رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب الذين لم يعترفوا يوماً بأنهم خطأة وبحاجة إلى غفران الله إلا في يوم كيبور (يوم التكفير)، حيث يحتفل جميع اليهود بطقوس توبوبة: يَشهَدونَ أَنَّهم يَعرِفونَ الله ولكِنَّهم يُنكِرونَه في أَعمالِهِم. فهُم أُناسٌ عُصاة غَيرُ أَهلٍ لأَيِّ عَمَلٍ صالِح" (طيطس 1: 16). وسُيبيّن لهم ربّنا يسوع أن عجرفتهم وعنادهم ستقودنهم إلى إرتكاب خطايا جسيمة. 

فليُساعدنا ربّنا لتكون الـ"نعمُ" فينا صادقةً وإن حصل وأن قُلنا "لا"، فلتكن هذه لنا فرصةً للتوبة والعودة إلى أبينا والانضمام إلى مشيئتهِ.

قراءة 29257 مرات

1271 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *