المواعظ
%PM, %06 %439 %2018 %12:%كانون2

عيد عماذ ربّنا يسوع المسيح - التواضع بدءُ وحي الله

كتبه
قيم الموضوع
(0 أصوات)

عيد عماذ ربّنا يسوع المسيح

التواضع بدءُ وحي الله (متّى 3: 1- 17)

لبّى ربّنا يسوع المسيح دعوة يوحنّا المعمدان إلى معموذية التوبة فخرجَ إلى البرية مُعبراً عن إستعدادهِ التام ليكون حيثما يُريده الله أن يكون، مع الإنسان الخاطئ في طريق التوبة إليه. نداء يوحنّا: "توبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّموات"، كان كافياً ليتركَ ربّنا يسوع كلَّ شيءٍ؛ العائلة والمهنة ومدينة الناصرة متوجهاً إلى بريّة اليهودية، وتقدّم الجموع التي جاءت من أورشليم ومن اليهودية ومن ناحية الأردن تسمعُ يوحنّا وتعتمذ على يده. جاء يسوع أيضاً وانحنى أمام يوحنّا ليقبلَ منه معموذية التوبة. 

كان ربّنا يسوع يعرِف ما يُريد، فبعض الذين جاؤوا عند يوحنّا كانوا ينتظرونَ مشاهدة معجزة أو الاستماع إلى عظاتِ نبيّ قدير: "يا أَولادَ الأَفاعي، مَن أَراكم سَبيلَ الهَرَبِ مِنَ الغَضَبِ الآتي؟ فأَثمِروا إِذاً ثَمَراً يَدُلُّ على تَوبَتِكم ... هاهيَ ذي الفَأسُ على أصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمراً طيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار". لم تكن الجموع تدرك كُنهَ هذهِ الرتبة، أما ربّنا يسوع فكان يعرِف ما يُريد: أن يعتمد معموذية التوبة، أن يُكمِل مشيئة الله الآب. التوبة التي تعني تغييراً كلياً لأسلوب التفكير والحياة الذي تعوّدنا عليه نحو حياة جديدة، ولا يُمكن المساومة في هذا الشأن أبداً. حياة جديدة ليست متمركزة على الذات ولا تتطلّع إلى تحقيق حاجات الأنا، بل تُريد محبّة الله وأن تُحقق رضاهُ. وأول خطوة لقبول هذه الحياة الجديدة هو إنحناء متواضعٌ لقبولِ جديد الله. 

بدأَ يوّحنا رسالتهُ، هو الذي أرسلهُ الله ليعدَّ الطريق أمام الماشيحا، وصارَ له كثير من الأتباع والتلاميذ، ويُفتَرض أن ربنا يسوع كان أحد تلاميذ يوحنّا حسبما وردَ في إنجيل يوحنّا: "وقامَ جِدالٌ بَينَ تَلاميذِ يوحَنَّا وأَحَدِ اليَهودِ في شَأنِ الطَّهارَة، فجاؤوا إِلى يوحَنَّا وقالوا له: "راِّبي، ذاكَ الَّذي كانَ معَكَ في عِبْرِ الأُردُنّ، ذاك الَّذي شَهِدتَ له، ها إِنَّه يُعَمِّدُ فيَذهَبُ إِليهِ جَميعُ النَّاس" (يو 3: 25- 26). يوحنا كان إذاً المعلّم، ويُفتَرض أن يقوم التلميذ بخدمةِ معلّمه مثلما يخدم العبد سيّده، ما عدا حلَّ نعليهِ. في البرية، يوحنا المعلّم لم يجد نفسه أهلاً لينحني ويخلع نعلَّ تلميذهِ: "وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه"، وجاء التلميذ ليُبيّن تواضعاً أعظم، عندما إنحنى أمام معلمهِ يطلب المعموذية. هذا هو بدءُ الوحي، تواضعُ الله. إلهنا يُعظمُّ مكانة الإنسان فينحني أمامهُ خادماً: "ما جاء ليُخدَم بل ليخدُم ويفدي بحياتهِ كثيرين". فالوجه الإنساني لله يتمثّل بالتواضع ويطلبالحياة الجديدة والرحمة، وبالتالي يُرينا الطريق إليهِ.

لاحظ يوحّنا أنه أمام المسيح، قدوس الله، إنسان بلا خطيئة، فقال له: "أَنا أَحتاجُ إِلى الاعتِمَاذِ عن يَدِكَ، أَوَأَنتَ تَأتي إِليَّ؟"، لكنَّ ربّنا علّمه أن إرادة الله الآب هي أهمُ من رأي الناس فينا، وكأنه يقول: "لا يهمني كيف تراني أنت، ما يهمنُي هو أن أصنعَ إرادة مَن أرسلني وأرسلَك، وعماذي على يدك هو تصديقٌ لرسالِتكَ وتثبيتٌ لرسالتي. فلنعمل ما يُرضي الله ويُبهجُ قلبهُ. وصادقَ الله على فعلِ ربّنا يسوع إذ أعلنَ رضاهُ: "هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيبُ الَّذي عَنه رَضِيت". 

غطسَ" في الماء مُبيناً طاعتهُ لإرادة الله الآب التي شاءت أن يكونَ مع الإنسان كلياً ويختبر ما يُعانيه من تحديات وصعوباتٍ. نزلَ إلى "العمُق" حيث وقعَ الإنسان أسيرَ الخطيئة، ليكون إلى جانبهِ وليهبَ له فرصة أن يرى نورَ الله بيسوع المسيح، ويتشجّع الإنسان ويسير خلفَ ربّنا يسوع نحو نور الله. "غطسَ وخرجَ من هذا الغطسِ إنساناً مُكرساً لله، وسيواصلِ الحياة ليكشِف عن طبيعة هذه البنوّة ومضمونها في حياة إتسمت بالرحمة إزاء الجميع. في فعل الغطسِ في الماء اشارة إلى إستعداد لتغيير أسلوب الحياة الخاطئ نحو حياة جديدة. فيها يُريد الله أن يكون الإنسان حُراً مثلهُ، حُراً حتّى من عظمتهِ، فــ"هو الَّذي في صُورةِ الله لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة بل تَجرَّدَ مِن ذاتِه مُتَّخِذًا صُورةَ العَبْد وصارَ على مِثالِ البَشَر وظَهَرَ في هَيئَةِ إِنْسان فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب" (فيلبي 2: 6-8). ومن خلال هذه الطاعة يكتمل فعل التحوّل الذي يُريده الله في حياة الإنسان. التوبة- التغيير ضروري ولكنه ليس كافياً لتحقيق حياة الشركة مع الله، لذا، كان لا بُد من العماذ بالروح القُدس والنار: "أَنا أُعمِّدُكم في الماءِ مِن أَجْلِ التَّوبة، وأَمَّا الآتي بَعدِي فهو أَقْوى مِنِّي، مَن لَستُ أَهْلاً لأَن أَخلَعَ نَعْلَيْه. إِنَّه سيُعَمِّدُكم في الرُّوحِ القُدُسِ والنَّار". 

ربّنا يسوع هو "البكر"، وهو الذي يتقدّمنا على طريق القداسة. الطريق الذي فيها يتبنانا الله الآب أبناء له مثلما أعلنَ اليوم في العماذ: "هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب الَّذي عَنه رَضِيت"، فنحن نصبح بالعماذ، أبناء لله بيسوع المسيح ابن الله، الله الذي بادَر فأرسل يوحنّا ليمُهِدَ الطريقَ إلى يسوع الأبن الذي يُدخِلنا في صُلبِ علاقتهِ بالله، لنُصبحِ عائلة الله وخاصتهُ. لذا، تؤمن الكنيسة أن العماذ هو هبة من الله ونداء ينتظِر جوابنا لا من خلال طقوس العماذ فحسب، بل من خلال شهادة الحياة التي فينا نُظهِر تعاوننا مع الروح القُدس الذي يُرفرفِ على حياتنا ليُبدِع منها حياة تليقُ بأبناء الله. فجميعنا أعلنَ يومَ عماذه، بواسطة الأشبين، أننا نؤمِن بالله الآب والأبن والروح القدس وبأمنا الكنيسة، ونكفرُ بالشيطان وبأباطيلهِ، وأننا عازمون على السير في طريق القداسة متمثلين بربّنا يسوع فعيش حياة أبناء الله، وإلهنا يتطلّع لنحقق هذه المواعيد. فلنطلُب نعمة الثالوث الأقدس، الذي تجلّى اليوم في عماذ ربّنا يسوع، نعمة التواضع لنسيرَ الطريق الذي يقودنا إليه.

قراءة 163584 مرات

15016 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *