المواعظ
%AM, %16 %314 %2017 %09:%أيلول

الأحد الأول من الصليب - الكنيسة: جماعة التطويبات

كتبه
قيم الموضوع
(1 تصويت)

الأحد الأول من الصليب

الكنيسة: جماعة التطويبات (متى 5: 13 – 20)

عهدَ الله لموسى الوصايا في العهد القديم لتكون نوراً وهداية لشعبهِ، لكّن ربّنا يسوع كان أعظم من موسى، إذ تجسّد وصار إنساناً بيننا ومعنا. فعلّم ما كان يعيش. أعطانا التطويبات والتي تُجدد فينا "صورة اللهِ" التي تشوهّت بأنانيّتنا وخطايانا. فما يُميّزنا نحن المسيحيين هو أننا "جماعة التطويبات". جماعة تعيش كل حياتها تحت أنظار الله وفي مملكتهِ، فالتطويبات ليس تعاليم ووصايا وإرشادات، بل حالة الإنسان المؤمِن بالله الوقف أمام الله شاكراً والسائر أمامه متواضعاً، ومُستعداً للتخلي عن كل شيء، حتى عن إرادته الشخصية، من أجل إتمام إرادة الله.

إنسان جعل إتكالهُ على الله الآب من دون أن يبحث عن ضمانات أرضية أو ممتلكاتٍ، فغناهُ ومُلكهُ هو في الله، وإن تملَّك على الأرض يقفَ شاكراً الله على هذه النعمة متحرراً من سطوتها فقلبهُ صارَ مُلكَ الله، وهو يُصلي دوما بتواضع: "يا ربًّ أنــا مُحتاجٌ إليك يا رب".

جماعة التطويبات جماعة تحزن لخطايا العالم البعيد عن الله والباحِث عن فرحٍ عابرٍ ويعتقد متوهما أنه قادرٌ على الحصول على سعادته وحريته من دون الله. هو حُزن مُقدس لأن الإنسان الخاطئ لم يتذوّق طيبة الله فسيطّر عليه الخوف وتملّكه همٌّ أفقدهُ الثقة بالله فراح يبحث عن سعادتهِ بعيداً عنه. هذا الحزن المُقدس لن يكون إلا أن "تواضع" الإنسان، وجعل أنظاره مشخصّة نحو الله ونحو القريب، فلا يتعالى أذا حصلَ على منصبِ ولن يتفاخَر بموهبةٍ ولن يتشامخ على الآخرين الذين "لا يعرفون"، بل يسير معهم، ولن يبتغي بأن يكون "الأول" بل الأقرب إلى الناس لاسيما الفقراء والمهمشين على مثال ربّنا يسوع، ليحملهم إلى الله الآب، لأنه إنسان يبحث عن الحقيقة، والحقيقة هي: أن الله هو الذي يهبُ للإنسان الكرامة، وعندما يملُكَ الله إلهاً في حياتنا وعلى قلوبنا، عندها فقط: ننالُ كرامتنا. لذا، فإنسان التطويبات هو الباحِث عن البر، عن الله الذي خرجَ بربنا يسوع المسيح يبحث عن الضآل ليُعيده إلى الحظيرة.

هو إنسان الرحمة على مثال الله الآب فيُشارِكه في أعمق شعور إلهي: الرحمة. رحمة تنظر إلى معاناة الآخر وتتفهمه من دون أن تدينهُ، وتتجاوز له خطاياهُ وتغفِر له تقصيراتهِ وتراه بعيون الحب من جديد ولن يسمح للغضب والعداوة والإنتقام أن تسيطرَ عليه، لتكون الحياة ممكنة على الأرض. هكذا، يحفَظ قلبهُ طاهراً فيترجّى الخير من الإنسان فيسلُك تبعاً لذلك لأنه يرى الله في الآخرين فيُباركهُ، لتكون علاقاته بالآخرين فعل عبادة، ويضع السلام حيثما حلَّ بطيبِ الكلام والأفعال، فلا يتعب من مُصالحة الناس مع بعضهم ومع الله.

ربّنا دعانا إذن لنكون "جماعة؛ كنيسة التطويبات"، أن نعيش حياتنا كأبناء الله وندعو الآخرين ليكونوا معنا. يُريدنا أن نكون ملحاً يحفظ العالم من الفساد، ويُبقيهِ طاهراً مُكرساً لله. ينتظرنا ربّنا لنكون نوراً في العالم يُرشدهُ إلى الحقيقة، إلى الله بشهادة الحياة: "ليروا أعمالكم الصالحة"، فيشهدوا أن روح الله يعمل فينا ومن خلالنا.

 هذه ليست تعليمات وإرشادات، بل هي دعوة نلتزم بها وشهادة حياة تُرشد الناس وتعلّمهم أين يكمن الفرح الحقيقي: في الله الذي نختبره فرحاً في حياتنا على الرغم من الصلبان اليومية التي نُدعى لحملها. ربّنا يُعلمّنا أن طريق التطويبات سُيكلّفنا الكثير، ولكنه يدعونا إلى أن نوجّه أنظارنا إلى صليبِه، الذي فيه إنتصرَ على تجربة العيش إنساناً من دون الله، فقدّس حياتهِ ليُقدسنا.

اليوم تأتينا البشارة لتحملَ لنا مهمّة ومسؤولية: أن نحفظ العالم من الفساد ونُوصله إلى لله. فإذا كُنا نحن نسلُك مثلما يسلك العالم، نُخاصِم ونغشُّ ونكذبُ ونسرق وندين ونغضب ونُعادي، فما الذي يُميزنا؟ وكيف سيُمجّد العالم الله إذا لم يختبروه فينا؟

 

الأول من الصليب

قراءة 507885 مرات

29710 تعليقات

رأيك في الموضوع

الرجاء اكمل كل الحقول المؤشرة بعلامة *