عيد مار قرداخ الشهيد
الدعوة إلى القداسة
يجمعنا ربنا يسوع في أفخارستيا الشُكر اليوم لنحتفل بذكار مار قرداغ الشهيد والذي شهدَ لربنا يسوع في تقدمة حياتهِ، وفيها يدعونا جميعاً للتأمل في دعوة القداسة التي دُعينا إليها جميعاً، لأن الله، وبحسبَ ما علّمه بولس الرسول أختارنا لنكون قديسين: "هكذا كان (الله) قد اختارنا فيه (المسيح) قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين بلا لوم أمامه. إذ سبق فعيننا في المحبة". فالقداسة دعوّة لجميعنا وليس حكراً على نُخبةٍ من المؤمنين.
القديس هو كل مؤمنٍ سمَحَ لربّنا يسوع المسيح أن يملُكَ عليهِ: "وفيما بعد لا أحيا أنا بل المسيح يحيا فيّ". إنسان خصص، كرّسَ نفسه وحياتهُ كلّها للمسيح، فالعلاقة بيسوع المسيح هو بدءُ مسيرة القداسة وأساسها، فهي ليست أعمالاً خارقةِ، بل دعوة للإتحاد بيسوع المسيح والإلتصاق به، ولبسُ المسيح، ليكونَ فينا فكرُ المسيح ومواقفهِ، المسيح المتواضِع والرحوم، وجه الله المُحِب، والذي لم يأتِ لدينونةِ الإنسان، بل، بحثَ عنه ليُخلّصهِ. فالقديس يحملُ في قلبهِ المسيحَ يسوع، ويهبُهُ لكلِّ مَن يلتقيهِ.
لقدّ تعلّم القديس أن يكون تحت إرشادَ الروح القُدس، والذي يُعطيهِ الحكمة ليسلكَ حسبما يُريده الله، والشجاعة ليشهدَ لمحبّة الله التي ظهرت بيسوع المسيح، عارفاً أن ذلك نعمةٌ من الله وليست بقدراتهِ الخاصّة. الروح القُدس هو الذي يجعل القديس يُحبُ الله فوق كلِّ شيءٍ ويُصلّي إليه ويتأمل كلمتهُ، ويحتضِن القريب بذات المحبّة من دون رياء أو نفاق أو حسدٍ. فكل ما يفعلهُ القديس هو بدافع المحبّة لله وللقريب.
وهكذا تمكّن القديس من محاربة الشّر في حياتهِ هو أولاً فأختبرَ تخليّات عديدة، وتنازل عن إمتيازاتٍ كثيرة، وإجتهدَ في إماتات عظيمةٍ، وتزهدَ عن الدنيا ومفاتنها، فعاش بساطة "الألوهة"، فكان كليّا لله، وأنتصرَ على الشّر بقوّة المسيح يسوع، عرِف أن العالم كلّه صارَ أكثر خيراً بوجود إنسان تغلّب بقوّة المسيح على الشّر. فالقديس هو إنسان يعرِف اين يُحارِب الشرِ، في حياتهِ أولاً.
هذا هو سرّ قداسة حياة قديسو الكنيسة وشهداؤها: "الإلتصاق بالمسيح إلتصاق الأغصان الكرمة"، ونشر قداسة الله وطيبتهِ، فلا يُمكن للإنسان أن يُصبِحَ قديساً من دون المسيح، فالمسيح، قدّوس الله، هو الذي يُقدِس حياة الإنسان.