المطران بشار متي وردة
الأحد الأول من تقديس الكنيسة
الإيمان ... الصخرة ... المحبّة (متّى 16: 13- 19)
أعلن بطرس نيابة عن الرُسل شهادتَه لربّنا يسوع: "أنت المسيح ابنُ الله الحي"، جواباً على سؤال ربّنا يسوع: "ومَن أنا في قولِكم أنتم؟"، وهي شهادة قبلها وحياً من الله الآب، فكان جوابُ ربّنا لاعترافهِ هذا أنه كلّفه بمهمّة ومسؤولية كبيرة: "أنت صخرة وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها" فعليهِ، أي بطرس، أن يكون دوماً منفتحاً لكشفِ الله ووحيهُ، وفي هذا الإنفتاح وهذا الإيمان، الذي يتطلّبُ من بطرس حُباً أميناً حتّى الموت، وهو جوابٌ على محبة الله التي اختارتهُ ليكونَ خلفَ ربّنا يسوع، وبالتالي أهلته ليكون صخرة تُبنى عليها الكنيسة، وتقف بوجه أبواب الجحيم، والتي لن تتغلّب على الكنيسة. فالربُّ جعلها مدينةً حصينةً، مثلما أوحى لارميا النبي، وهو سيكون معها دوماً (إرميا 1، 18-19)، كيف لا، وقد تحالفَ المُجرّبُ مع البشر الذين رفضوا بشارة الله، لكي يدمروا ملكوتِه، فطمأنَ ربّنا يسوع بطرسَ بأنه سيكون حامي الكنيسة، وهذا ما تؤكده دوماً صلاتنا الليتورجية في هذا الأحد. فالكنيسة عروسُ المسيح التي افتداها بدمهِ.
ربنا يسوع لا يعدُ بالسعادة لمَن سيتبعهُ بل يُؤكد لبطرس، ولنا جميعاً، أن الكنيسة ستجابه مُضايقاتٍ خطيرة: "أبوابُ الجحيمِ". كل قوى الشر ستتحالف ضد الكنيسة، ولكن لن تهزم الكنيسة، ما دامت أمينةً لمُخلصها الذي افتداها بدمهِ وجعلها عروسةً له، وإن تخلّفت عن الوعد فهو معها ليشفيها من جروحها. تاريخنا الإنساني يروي المُضايقات والاضطهادات التي انهالت على الكنيسة عبر الاجيال، وكان أشدّها تلك التي تأتي من داخل الكنيسة، والتي سببت إنشقاقاتٍ وتحريمات. خبراتٌ مؤلمة ممن كرسوا أنفسهم لخدمة الكنيسة ورسالتها. ولعل اسوأ محنة تمر بها الكنيسة هي تلك المواقف السلبية التي بعض ابنائها بتشاؤمهم امام مسيرة الكنيسة اليوم، فيقولون يائسين: ان "الكنيسة تسير نحو الهاوية، ولا خير في الكنيسة، ولا نفع لها، هذه هي كلمات المُجّرب التي يفرح إذ يسمعها من افواه ابناء الكنيسة. فهو يُريد أن نرفعَ رايات الإستسلام متناسين أن الصليب كان وما يزال علامة لمصداقية حياة الكنيسة وصدق شهادتها، ورمزاً لانتصار ربّنا يسوع على قوى الشر والظلام.
صلاة المساء والصباح في ليتورجيتنا المُباركة علّمتنا أن الله وهبَ الكنيسة كنزاً وإرثاً سماوياً فكان لها سببُ رجاءٍ، فجعل فيها الأسرار والطقوس، وكتابُ البشارة وخشبةُ الصليب وأيقونة إنسانيته البهيّة. بل أن الله هو حاميها بتدبيره الإلهي، فخلاصها هو بيسوع المسيح، وهو بحنانهِ يختار لها فَعَلةً (خُداماً)، وبنعمته يُبارِك أبناءَها، جاعلاً الصليب علامة لمصداقية وجودها، فلا كنيسة من دون صليب. وهو ما سيتعلّمه بُطرس: إن الكنيسة التي تُبنى عليه تتطلّب منه شهادة حياة حتّى بذل الذات، فيطلب ربنا منه الأمانة للحفاظ على هذا الوعد. فهذه مسؤولية وتكليفٌ أكثر منه دافعاً الى الافتخار، وعليه أن يكون منتبهاً لئلا يضيع أحد من الرعية: "وأنت متى ما عُدتَ فثبّت إخوتك" (لو 22: 32). فالحل والربط يعني القُدرة على مغفرة الخطايا، وهي علامةٌ على أن كنيسة ربّنا يسوع ليست كنيسة أناسٍ كاملين بل خطاة يحتاجون دوماً إلى محبّة الله وغفرانه بيسوع المسيح.
فالمحبة هي التي تُسيّر علاقات كنيسة يسوع، وهي ما يطلبهُ بولس من كنيسة قورنثس مثلما سمعنا في القراءة الثانية اليوم. كنيسة عاشت الفوضى بكافة أشكالها، فانتشر الحسد والنفاق والتنافس بين الاخوة، فعادَ بولس وذكّرهم: إن ما نلتموه كان نعمةً من الله، ولكن البُنيان يتماسك بالمحبة التي تربط كل شيءٍ. فما نفعُ المواهب إن كانت لتقسيم الكنيسة؟ وهل ستصمدُ الكنيسة أمام حروب الجحيم إن لم يكن فيها المحبة؟ لذا، جعل آباؤنا القراءتين معاً اليوم، فلا كنيسة من دون يسوع الذي أحبَ العالم حتّى بذل حياتهُ من أجل الكنيسة، فبالمحبة هزمَ ربّنا يسوع قوى الشّر التي أسرت أناساً كثيرين.
هذه المحبة جمعت للرب كنيستهُ من كل أقاصي الأرض، وجعلت منهم ملحاً ونوراً بين الأمم فصِرنا ضرورةً للأرضِ مثل ضرورة الملح للطعام. الكنيسة هي فعل محبّة الله على الأرض، وهي أغلى ما قدّمه الله للإنسانية، لأنها كلّفته حياة ابنه. فأوجدنا من أجل المساكين والضعفاء والمعوزينَ والفقراء روحيا ومادياً، لنُبشِرهم بمحبة الله لهم. هذا الملح يعمل على تغيير العالم، ولكن لا يُمكن للعالم أن يُغيّر المسيحي، وإن فسدُ الملح، وهذا ما تريده أبواب الجحيم، فالعالم سيعيش جحيماً أبدياً.
إخوتي وأخواتي،
ربنا يدعونا من خلال بُطرس لأن نكون صخرة راسخةً فيه ليبني العالم حياتهُ عليها، حياةٌ تصلهُ بالله خالقهِ. ومن ثمة علينا أن نكون مسيحيين متأصلينَ بيسوع المسيح على نحو شخصي، وليس بناءاً على معرفة عابرة مثل باقي الناس. فلنُصل لكي يثبت المسيحيون في امانة متواصلة للرب ويؤدوا شهادة صادقة للمسيح في العالم.
الإيمان ... الصخرة ... المحبّة (متّى 16: 13- 19)
أعلن بطرس نيابة عن الرُسل شهادتَه لربّنا يسوع: "أنت المسيح ابنُ الله الحي"، جواباً على سؤال ربّنا يسوع: "ومَن أنا في قولِكم أنتم؟"، وهي شهادة قبلها وحياً من الله الآب، فكان جوابُ ربّنا لاعترافهِ هذا أنه كلّفه بمهمّة ومسؤولية كبيرة: "أنت صخرة وعلى هذه الصخرة سأبني بيعتي، وأبوابُ الجحيم لن تقوى عليها" فعليهِ، أي بطرس، أن يكون دوماً منفتحاً لكشفِ الله ووحيهُ، وفي هذا الإنفتاح وهذا الإيمان، الذي يتطلّبُ من بطرس حُباً أميناً حتّى الموت، وهو جوابٌ على محبة الله التي اختارتهُ ليكونَ خلفَ ربّنا يسوع، وبالتالي أهلته ليكون صخرة تُبنى عليها الكنيسة، وتقف بوجه أبواب الجحيم، والتي لن تتغلّب على الكنيسة. فالربُّ جعلها مدينةً حصينةً، مثلما أوحى لارميا النبي، وهو سيكون معها دوماً (إرميا 1، 18-19)، كيف لا، وقد تحالفَ المُجرّبُ مع البشر الذين رفضوا بشارة الله، لكي يدمروا ملكوتِه، فطمأنَ ربّنا يسوع بطرسَ بأنه سيكون حامي الكنيسة، وهذا ما تؤكده دوماً صلاتنا الليتورجية في هذا الأحد. فالكنيسة عروسُ المسيح التي افتداها بدمهِ.
ربنا يسوع لا يعدُ بالسعادة لمَن سيتبعهُ بل يُؤكد لبطرس، ولنا جميعاً، أن الكنيسة ستجابه مُضايقاتٍ خطيرة: "أبوابُ الجحيمِ". كل قوى الشر ستتحالف ضد الكنيسة، ولكن لن تهزم الكنيسة، ما دامت أمينةً لمُخلصها الذي افتداها بدمهِ وجعلها عروسةً له، وإن تخلّفت عن الوعد فهو معها ليشفيها من جروحها. تاريخنا الإنساني يروي المُضايقات والاضطهادات التي انهالت على الكنيسة عبر الاجيال، وكان أشدّها تلك التي تأتي من داخل الكنيسة، والتي سببت إنشقاقاتٍ وتحريمات. خبراتٌ مؤلمة ممن كرسوا أنفسهم لخدمة الكنيسة ورسالتها. ولعل اسوأ محنة تمر بها الكنيسة هي تلك المواقف السلبية التي بعض ابنائها بتشاؤمهم امام مسيرة الكنيسة اليوم، فيقولون يائسين: ان "الكنيسة تسير نحو الهاوية، ولا خير في الكنيسة، ولا نفع لها، هذه هي كلمات المُجّرب التي يفرح إذ يسمعها من افواه ابناء الكنيسة. فهو يُريد أن نرفعَ رايات الإستسلام متناسين أن الصليب كان وما يزال علامة لمصداقية حياة الكنيسة وصدق شهادتها، ورمزاً لانتصار ربّنا يسوع على قوى الشر والظلام.
صلاة المساء والصباح في ليتورجيتنا المُباركة علّمتنا أن الله وهبَ الكنيسة كنزاً وإرثاً سماوياً فكان لها سببُ رجاءٍ، فجعل فيها الأسرار والطقوس، وكتابُ البشارة وخشبةُ الصليب وأيقونة إنسانيته البهيّة. بل أن الله هو حاميها بتدبيره الإلهي، فخلاصها هو بيسوع المسيح، وهو بحنانهِ يختار لها فَعَلةً (خُداماً)، وبنعمته يُبارِك أبناءَها، جاعلاً الصليب علامة لمصداقية وجودها، فلا كنيسة من دون صليب. وهو ما سيتعلّمه بُطرس: إن الكنيسة التي تُبنى عليه تتطلّب منه شهادة حياة حتّى بذل الذات، فيطلب ربنا منه الأمانة للحفاظ على هذا الوعد. فهذه مسؤولية وتكليفٌ أكثر منه دافعاً الى الافتخار، وعليه أن يكون منتبهاً لئلا يضيع أحد من الرعية: "وأنت متى ما عُدتَ فثبّت إخوتك" (لو 22: 32). فالحل والربط يعني القُدرة على مغفرة الخطايا، وهي علامةٌ على أن كنيسة ربّنا يسوع ليست كنيسة أناسٍ كاملين بل خطاة يحتاجون دوماً إلى محبّة الله وغفرانه بيسوع المسيح.
فالمحبة هي التي تُسيّر علاقات كنيسة يسوع، وهي ما يطلبهُ بولس من كنيسة قورنثس مثلما سمعنا في القراءة الثانية اليوم. كنيسة عاشت الفوضى بكافة أشكالها، فانتشر الحسد والنفاق والتنافس بين الاخوة، فعادَ بولس وذكّرهم: إن ما نلتموه كان نعمةً من الله، ولكن البُنيان يتماسك بالمحبة التي تربط كل شيءٍ. فما نفعُ المواهب إن كانت لتقسيم الكنيسة؟ وهل ستصمدُ الكنيسة أمام حروب الجحيم إن لم يكن فيها المحبة؟ لذا، جعل آباؤنا القراءتين معاً اليوم، فلا كنيسة من دون يسوع الذي أحبَ العالم حتّى بذل حياتهُ من أجل الكنيسة، فبالمحبة هزمَ ربّنا يسوع قوى الشّر التي أسرت أناساً كثيرين.
هذه المحبة جمعت للرب كنيستهُ من كل أقاصي الأرض، وجعلت منهم ملحاً ونوراً بين الأمم فصِرنا ضرورةً للأرضِ مثل ضرورة الملح للطعام. الكنيسة هي فعل محبّة الله على الأرض، وهي أغلى ما قدّمه الله للإنسانية، لأنها كلّفته حياة ابنه. فأوجدنا من أجل المساكين والضعفاء والمعوزينَ والفقراء روحيا ومادياً، لنُبشِرهم بمحبة الله لهم. هذا الملح يعمل على تغيير العالم، ولكن لا يُمكن للعالم أن يُغيّر المسيحي، وإن فسدُ الملح، وهذا ما تريده أبواب الجحيم، فالعالم سيعيش جحيماً أبدياً.
إخوتي وأخواتي،
ربنا يدعونا من خلال بُطرس لأن نكون صخرة راسخةً فيه ليبني العالم حياتهُ عليها، حياةٌ تصلهُ بالله خالقهِ. ومن ثمة علينا أن نكون مسيحيين متأصلينَ بيسوع المسيح على نحو شخصي، وليس بناءاً على معرفة عابرة مثل باقي الناس. فلنُصل لكي يثبت المسيحيون في امانة متواصلة للرب ويؤدوا شهادة صادقة للمسيح في العالم.
