التعليمُ المسيحي يربي الإيمانَ فعلياً
نقرأ في الكتابِ المقدس أن اللهَ دخلَ تاريخَ البشريةِ بدافعِ محبتهِ حتى إنه بذلَ ابنه الوحيد ليخلّصَها. لذا يظهر الله أباً رحوماً، ومعلماً حكيماً وصبوراً، ومخلصاً يخلصُ الإنسان من قبضةِ الشرِ ويجذبهُ إليه ويجعله ينمو "في الحكمةِ والقامةِ والنعمة" (لوقا 2: 52) على مثالِ يسوع معلمه. وهذا يتطلبُ مِلءَ إرادةِ الإنسان لأن الله خلقه حراً، وأعطاه القدرةَ على التمييز بين ما هو صالحٍ وشرير، فتظهرُ ثمارُ الروحِ فيه من خلال ما يقوم به، ويعطي صورة عن الله كأبٍ مُحبٍ يبحثُ عن الضالِ ليُرجعَهُ عن طريقِ الهلاك.
نجدُ في صفحاتِ الكتابِ المقدس صفاتٍ أخرى لله تكشفُ لنا عمله المُربي في حياةِ كل إنسانٍ مؤمنٍ به،([1])وبفضلِ عطيةِ الروحِ القدس ينمو في الإيمانِ والرجاءِ والمحبة، تلك الفضائلُ التي تعلمها من التعليمِ المسيحي، ليسيرَ نحو ذاك الذي هو الرأس (يقابل أفسس 4: 15). لذا يُعتبرُ التعليمُ المسيحي مسيرةَ نموٍ على خُطى المسيح نحو الآب لبلوغِ النضجِ في الإيمان بقدرةِ الروحِ القدس وطاقاتِ الإنسان.
فالتعليمُ المسيحي متطلبٌ؛ لأنه يربي الإيمان فعلياً ويحققُ في الوقتِ ذاتهِ جزءً من التنشئةِ الروحية، آخذاً بنظر الإعتبار واقعَ الإنسانِ ومتطلباتِ مجتمعه.
وعليه، يبحثُ ويجدُ ويسهرُ معلمُ التعليم المسيحي حتى يجعلَ من خدمته طريقةً تربويةً مميزة، تساعدُ التلميذَ لكي ينفتحَ على الإيمان وعلى المجتمع، مستخدماً الأساليبَوالوسائلَاللازمةِ لتحقيقِ هذه الغاية، كالأمثالِ،الاستفهام، وغيرها.
هذا ما نقصدُهُ بالطابعِ الديناميكي للتعليم المسيحي، لأنه يستذكرُ صيغَ الإيمانِ الأساسية التي تُساعدنا على فهم مبادئ إيماننا وكيف عاشه كلُّ مؤمنٍ بالمسيح، ليجعلَ منها تواصليةً وآنية. كم هو رائعٌ عندما نكتشف يوماً أن خبراتِنا الإيمانية أصبحتْ جزء من تاريخِ الإيمانِ المسيحي، لأننا أعضاءٌ في جسدِ المسيح الذي هو الكنيسة.
فالتعليمُ المسيحي ليس فِعلاً ميكانيكياً، بل ديناميكياً، أي له طابعُ التواصلِ عبرَ الأجيال، لأنه يربطُ الأحداثَ الماضية، الحاضرةَ والمستقبلية. مثَلاً، كم من آباءِ الكنيسة أو القديسين من القرون الأولى مازالوا وسيزالون قدوةً لنا، يعلموننا السيرَ والنموَّ على طريقِ الإيمان، لأنهم عاشوا فعلاً حسب مشيئةِ الرب وقلبه، وغدوا نوراً وملحاً وخميرة.
علاوةً على ذلك، يدخلُ تعلُّمُ أسس ومبادئ الإيمان في إطار التعليمِ التواصلي، أي نقل مبادئ الإيمان والقبول بها. لذا، لمعلمِ التعليم المسيحي دورٌ أساسيٌ في نقلِ الحقائق الإيمانية إلى التلاميذ، مُعتمداً على عطيةِ الروح القدس التي تُرسخُ فيه الروحانيةَ والشهادةَ والحياةَ المسيحيةَ الفضلى، فيغدو وسيطاً في العلاقةِ بين التلاميذ وسر الله، وبين التلاميذِ في ما بينهم ومع الكنيسةِ، دون أن ينسى دورَ الحرية، أي القبول بالحقائقِ الدينية والانتماءِ إلى الجماعةِ بقرارٍ حرٍ ومسؤول، وعليه، فالعلاقةُ الشخصيةُ بين المعلمِ والمُتعلم هي مهمةٌ ومتميزة، لأنها مبنيةٌ على أساسِ المعرفةِ والتكيف وفي الوقت عينهِ على الخلقِ الابداعي الذي يحترمُ الحريةَ والنضجَ الشخصي.
تساعدُ هذه العلاقةُ المتميزةُ المتُعلمَ على فهمِ عطيةِ الله، لينتقلَ إلى حياةٍ جديدةٍ في مختلفِ ظروف حياته، مستمداً القوةَ من قناعاته الدينية التي تعلمها والخبراتِ الإنسانية التي يمتلكهُا ويكتسبُها، ليفهمَ إيمانَه ويعيشَه في الجماعةِ (الكنيسة)، التي تتقوى بحضورِ المسيحِ الحي فيها – خاصة في سر الافخارستيا، لأنها ذكرى واستمرار لما حدث في العشاءِ السري وعلى الصليب، بناءً على قولِ الرب يسوع "اصنعوا هذا لذكري" (لوقا 22: 19).([1]) هذا ما يجعلنا نفهم بالإيمان حياةَ المسيحِ وموتهِ وقيامته في كما حدث مع تلميذي عماوس، لنعلنَ بعدئذ أنه حيٌّ بيننا إلى الأبد.
فالافخارستيا تساعدنُا على الاتحاد مع الربِ يسوع وفهمِ تعاليمه، لنعرفَ ذواتِنا ونعملَ ضد الظلمِ في المجتمع، فنكونَ خميرةً فعالة في المكانِ الذي نعملُ فيه.
([1]) عندما تحتفل الكنيسة بالافخارستيا، تتذكر فصح المسيح، ويصبح الفصح حقيقة ماثلة في الواقع: "كل مرة تقام على المذبح ذبيحة الصليب التي ذُبحَ بها المسيح فصحنا" (1كورنثوس 5: 7)، يتم عمل افتدائنا (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، عدد 1364).
الأخت حنان إيشوع
([1]) كما يقول المزمر: "طوبى للرجل الذي تؤدبه يا رب وتعلمه شريعتك" (مزمور 93: 12).