التطويبة الأولى: طوبى لفقراء الروح
فإن لهم ملكوت السموات
لم يعلِن ربّنا يسوع في بدءِ عِظتهِ: "طوبى لمَن يُصلي، أو مَن يصوم، أو مّن يُحسِن إلى الآخرين، أو التقي أو المُتعبِد أو مَن يقرأ الكتاب المُقدس ... فهذه كلّها "أفعال" قيمتُها كامنةٌ في الروح الذي يُحييها. فإن كانت نابعة من "روحِ متكبرٍ ومتعالٍ صارت سبباً للدينونة، وإن كانت نابعة من "روحٍ فقيرٍ"، أضحت بركةً للإنسان. فالروح هو "النَفَس" الذي فيه تنتعِش هذه الأفعال. وسيشرَح ربّنا يسوع لتلاميذه وللجموع أن هناكَ مَن يُصلي ويصوم ويُحِسن إلى الآخرينلا ليُمجِدَ الله الآب، بل ليراه الناس ويمدحوهُ (متّى 6: 1- 18). فوجَّهَ إلى ضرورة أن يكون الصوم صمتَ الجسد وصمتَ الإرادةِ ليخلُقَ فراغاً (من خلال إفراغِ المعدة)، وجوعاً وعطشاً إلى الله.
أفتتح ربّنا يسوع خطبة الجبل بـ: طوبى لفقراء الروح، فإنَّ لهم ملكوتَ السموات"، أناسٌ تحرروا من من كلِّ إرتباطٍ وتعلقٍ ليكونوا متحدين بالله. سعادتهم هي في أن يكونوا مع الله.
مَن هو فقيرُ الرُوح؟
"فقير الروح"، هو الإنسان الذي جعلَ كل إتكالهِ على تدبير الله ورحمتهِ، فبِهِ يتنفس: "فتَحتُ فَمي وتَنَشَّقتُ لأَنَّي إِلى وَصاياكَ تَشوقتُ" (119: 131). ربّنا يسوع اختارَ هذا الموقف الحياتي وجعلهُ طريقاً إلى قلبِ الله. فلم يعد الطريق إليه مُستحيلاً. كُشِفَ لموسى وللشعب في حادثة تقديم "الكلمات العشر"؛ لأن الخطيئة تجعل العبورَ إلى الله مُستحيلاً، ربّنا يسوع أعلنَ أن "الإشتياق إلى الله"، بتواضعٍ وفقرٍ روحي يُوصِل الإنسان إلى الله، وهذا ممكن.
"فقير الروح" هو حالة روحية وليس حالة اجتماعية. هو إنسان سلّمَ كل شيءٍ إلى تدبير الله. إنسانٌ وضعَ رجاءَه في الربِّ فلا يعتمِد على قواه الشخصية، بل مؤمنٌ بالربِ وواثقٌ بصلاحهِ ورحمتهِ. ليس له ممتلكاتٍ يتعلّق بها، ولا شبر من أرض يدعوها مسكنه، ولا مجتمع أرضي يدين له بالولاء المُطلَق بل لا قوة روحية أو اختيار أو معرفة يلجأ إليها بحثا عن العزاء أو الأمان. وإن تملّكَّ شيئا فهو لن يسمحَ لممتلكاتهِ بأن تمتلكهُ، بل يسعى دوماً لأن يكون مُمتلَكاً من قِبلِ الله، جائعاً وعطشاً لأن يعمل إرادته:"طعامي أن أعملَ بمشيئة الذي أرسلني وأُتممَ عملهُ" (يو 4: 34)
"فقير الروح" هو الإنسان المُستعِد لأن يؤمِن ويتحمَل تبعات الإيمان: "فبالنعمةِ نلتُم الخلاص بفضِل الإيمان" (أفسس 2: 8). فالمُبادَرة جاءت من الله، وكان الإيمانُ جواب الإنسان على هذه المُبادَرة. فهو إنسان الإيمان. هو إنسان حُر كلياً أمام الله، لأجله ترك كل شيء وتبع المسيح، وفي سبيل المسيح وفقد كلَّ شيءٍ حتى نفسَه. فلم يعد شيءٌ يمكن أن يأسر قلبه على هذه الأرض، ولن يُحبَ أو يسجدَ إلا للربِ الإله: "ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إِلى جَبَلٍ عالٍ جدّاً وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنيا ومَجدَها، وقالَ له: "أُعطيكَ هذا كُلَّه إِن جَثوتَ لي سـاجداً". فقالَ له يسوع: "اِذهَبْ، يا شَيطان! لأَنَّه مَكتوب: لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسجُد وايَّاهُ وَحدَه تَعبُد". ثُمَّ تَركَه إِبليس، وإِذا بِمَلائكةٍ قد دنَوا منهُ وأَخذوا يَخدُمونَه". (مـّى 4: 8-11)
"فقيرُ الروح" هو إنسانٌ لا يفتخِرُ بأعمالهِ وبتقواه أمام الله، ولا يُطالبهُ بأن يُجازيه خيراً لأنه صامَ وصلّى وأكثر الصدقات، مثلما صلّى الفريسي ممجداً نفسهُ ظناً منه أنه يُمجدُ الله، وكشَفَ في صلاتهِ أنه ليس بحاجةٍ إلى الله. إنمّا إنسانٌ ينتظر الله مثل انتظار الأجير أجرَتهِ (أيو 7: 2). فقير الروح إنسانٌ يُريد العيش في جودةِ الله، ولن ينالَ ذلكَ بقواهُ الخاصّة بل برحمة من الله، فيصبِح هو رحيماً مثلُ الله، فالنعمة تجعلهُ قادراً على فعل الخير والصلاح. هو إنسانٌ يُحب ما يُعطيهِ الله، ويقفَ أمامهُ فارغ اليدين، مثلما قالت القديسة تريزة الصغيرة، أيادٍ تُصلي شاكرة وهي مفتوحة للعطاء ومُستعدة لتقبل من جودِةِ الله. فهو لا يدعي صلاحاً أو خيراً، بل هو واعٍ لفقرهِ ومحدوديتهِ، وفراغهِ مثل الأرض التي تنتظر البذار من الزارِع ليُباركها بثمرٍ وحصادٍ وفير.
"فقيرُ الروح" هو إنسانٌ يُعرِف أنه صغيرٌ جداً، يحتاج إلى عونِ الله، لأنه ضعيفٌ ومعوز، إنسان لا يبحث عن السُلطة والسيطرة على الآخرين، إنسانٌ يشكرُ الله على كلِّ هباتهِ، وإذا إغتنى فغناه لن يأسرهُ بل سيبقى حُراً تجاه ما يمُلك. ويتعامَل مع الأشياء بقناعةٍ وإعتدالٍ مبتغياً حياة البساطة من دون تملكٍ مفرِط أو هدرٍ للخيراتِ. كان القديس فرنسيس الأسيزي يقول لإخوتهِ، كُنتُ عندما أطلبُ الصدقة، أخذ أقل مما أنا بحاجةٍ إليهِ، لئلا يُحرَم فقراء آخرون منها".
"فقيرُ الروح" إنسان يعرِف أن يُبارِك؛ لأنه يقفُ أمام الله بيدين مبسوطتين وبقلبٍ مُنفتح ينتظر أن يُبارَكَ. فعندها فقط يُمكن أن تُباركَ إذا عرفت أنك بحاجة إلى المُباركة. فينا قلب مُتكبر لا يريد أن يُبارِك (الله والآخرين)؛ لأنه يقول: لي ما يكفيني. فينا رغبةٌ في السيطرة على كلِّ شيءٍ، لاسيما في عصرنا الحالي الذي فيه يريد الإنسان أن يُسيطرَ على كل شيءٍ، فالسعادة لن تتوقف على التملُكِ والحصول على المزيد، بل على المحبة والعطاء وبذلِ الذات، على مثالِ الرب يسوع.
يسوع المسيح، فقيرُ الروح
"فقيرُ الروح" هو ربّنا يسوع المسيح، الذي لم يرغب في أن يمتلِك بيتاً أو أرضاً أو كرماً، ولا مالاً أو مُقتنيات، بل كان مُكرساً كلياً لله، وحُراً للرسالةِ. عانى من الجوع والعطش والحرمان والتعب. كان فقيراً إجتماعياً، لم يكن له عشيرةٌ تدعمهُ أو حلقة أصدقاء تسندهُ وقتّ الشدّةِ، حتّى جماعة التلاميذ تخلّت عنه وقت المُحاكمة والصلب. كان فقيراً إذ أخلَى ذاتهُ وصارَ إنساناً متجرداً من مجدِ الألوهةِ. فلم يبحثِ عن "شُهرةِ"، بل كان يُوصي الذين يشفيهم بعدم الحديث علناً عن شفائهم.
فقير الروح هو ربّنا يسوع المسيح، أُنموذج التطويبات، وقد جسّدها في كل تفاصيل حياتهِ، لاسيما في بستان الزيتون حيث جثا مُصليا: "يا أَبتِ، إِن أَمكَنَ الأَمْرُ، فَلتَبتَعِدْ عَنِّي هذهِ الكَأس، ولكن لا كما أَنا أَشاء، بَل كما أَنتَ تَشاء!" ... ثمَّ مَضى ثانيةً وصلَّى فقال: "يا أَبَتِ، إِذا لم يَكُنْ مُمكِناً أَن تَبتَعِدَ عَنِّي هذِه الكَأسُ أَو أَشرَبَها، فَليَكُنْ ما تَشاء" (متّى 26: 39- 42). لم يرغب ربّنا يسوع في كأسِ الألم، لم يرغب في أن يكون مُهاناً أو مُضطَهَداً، ولكنه أرادَ أن يكون أميناً للبُشرى السارة التي عاشها. "لا كما أنا أشاءَ، بل كما أنت تشاءَ"، هذا هو فقيرُ الروح. ففي عمقِ كيانهِ أرادَ ربّنا يسوع ما أرادهُ الله، فكان كلياً لله، ولله وحدهُ. وماالذي يُريده الله من الإنسان وللإنسان؟ يُجيبُ ميخا النبي: "قد بَيَّنَ لَكَ أَيُّها الإِنسانُ ما هو صالِح وما يَطلُبُ مِنكَ الرَّبّ. إِنَّما هو أَن تُجرِيَ الحُكْمَ وتُحِبَّ الرَّحمَة وتَسيرَ بِتَواضُعٍ مع إِلهِكَ" (ميخا 6:8).
ربّنا يسوع لم يُمجد حالة الفقرِ المادي إذاً، فالفقر المادي الخالِص لا يُخلَّص، على حدّ تعبير البابا بندكتُس السادس عشر. ربّنا يسوع أحبَّ الفقراء لا فقرهم. هناك فقراء يائسون من رحمةِ الله، ويتملّكهُم الغضبُ من الداخل؛ لأنهم يعتقدون أن الله غير مُهتمٍ بهم، بل نسيَهم، ويشتهون مقتنى الآخرين. وعبّر كاتب سفرِ الأمثال عن ذلك في طلبهِ: "شَيئَينِ سَأَلتُكَ فلا تَمنَعْني إِيَّاهما قَبلَ أَن أَموت: أَبعِدْ عنِّي الباطِلَ وكَلامَ الكَذِب، لا تُعطِني الفَقرَ ولا الغِنى بلِ اْرُزقْني مِنَ الطَّعام ما يَكْفيني لِئَلاَّ أَشبعَ فأَجحَدَ وأَقوَلَ: "مَنِ الرَّبّ؟" أَو أَفتقر فأَسرِق وأَعتدي على اْسم إِلهي" (أم 30: 8- 9).
ففقرُ الروح يتطلب زُهداً، والزهد لن يكون بلعنةِ الخليقة التي باركها الله ورأى أن كلَّ شيءٍ حسنٌ جداً (تك 1: 31)، بل، في موقف التحرر من الممتلكات وعدم التعلّق بها. مثلما صلّى أيوب: "الربُّ أعطى والربّ أخذ، فليكن إسم الربِّ مُباركاً" (أيو 1: 21). فالممتلكات هي للخدمة ليتمكّن الجميع من العيش برفاهيةٍ. وهذا هو المفهوم الأصح للفقر بالمعنى الديني، الفقرُ الذي يختارهُ الإنسان من أجل تحقيق هدفٍ سامٍ: "إفتقرَ وهو الغني لتغتنوا بفقرهِ" (2 كور 8: 9). أفتقرَ ربّنا يسوع محبةً بالإنسان وليس حُباً بالفقرِ. فالفقرُ الاختياري (الروحي) ليس إنغلاقاً على الذات، بل هو انفتاح على الجميع، لاسيما على الفقراء والمعوزين، هو إنطلاقةٌ وليس محطةُ وصولٍ، فيهِ إختارَ الإنسان الفقرَ نتيجةَ فعلِ الله المُحِب في حياتهِ.
ملكوتُ الله
ملكوت الله فعلٌ يقوم فيه الملكُ بفعلِ التملِك على شخصٍ أو شي. ملكوت الله يعني تدخل الله الحاسِم في التاريخ الإنساني، إذ يأتي ليملُكَ على البشرية جمعاء، ويُمارِس سلطتهُ. ملكوت الله هو إعلانٌ لسيادةِ الله على الحياة، فهو ليس مكاناً نذهُب إليه، بل هو حضورُ الله الفاعِل في الحياة والذي صارَ لنا نعمةً بيسوع المسيح. محبّةٌ تُريد خلاصَ الإنسان وتحريرهِ من كل ما يجعله يقف مُكرَماً أمام الله، ويدعوه ليدخلَ في شِركةٍ معه: "خذوا كلوا ... خذوا إشربوا".
هذا الحضور يتطلّبُ تجاوباً من الإنسان، أن يُهيئ له مكاناً في حياتهِ لينمو ويُثمرِ، ليملُكَ الله. فعندما بشرَ ربّنا يسوع بملكوت الله (السموات)، فهو كان "يُبشِر بكل بساطة بالله، أي بالإله الحي القادِر على أن يعمَل واقعياً في العالم وفي التاريخ، والذي يعمل فيهما الآن بالتحديد ... أي إنهُ يُمسِك بزمام العالم بين يديهِ ... إن الله يعملُ الآن" (بندكتُس السادس عشر).
هذا ما يُبشِر به فقير الروحُ في حياتهِ: الله هو السيّد وهو الربُّ الأوحد: "أَنا الرَّبُّ إِلهُكَ الَّذي أَخَرجَكَ مِن أَرضِ مِصرَ، مِن دارِ العُبودِيَّة. لا يَكُنْ لَكَ آِلهَةٌ أُخْرى تُجاهي" (خر 20: 2- 3). كان ربّنا يُصلي يومياً: "إسمعَ يا إسرائيل، إنَّ الربّ إلهنا هو ربٌّ واحد. فأحبب الربّ إلهَك بكل قلبِك وكلّ نفسِكَ وكل قوّتك" (تث 6: 4-5). هذه لم تكن كلماتُ صلاة فحسب، بل مسؤولية عليه أن يلتزِم بها في حياتهِ ويشهَد لها في سلوكه اليومي، فجعلَ حياتهِ كلّها مجالاً لله. وإعلاناً لسيادتهِ وربوبيتهِ. ففي موقف "فقير الروح" يختبِر الإنسان مفاعيل ملكوت الله في حياتهِ؛ لأن الملكوت بدأ في هذا الإنسان، فقير الروح. قلبه فارغ ومُستعدٌ ليكون وحدهُ، ويملك عليه ملكاً أوحد. فهل يستطيع الله أن يملأ شخصاً يكون مليئاً ومتخماً؟!
هذا الموقف الشخصي موقف منفتحٌ على الآخرين وهو موقف إرسالي في الوقتذاته. هناك فقراء لا يملكون بيوتاً أو عقارات أو تجارةٍ، لا يشعرون بحاجةٍ؛ لأن محبّة "الجماعة" قد غمرتهم. هذا هو واقع الملكوت الذي تعيشهُ "كنيسة المسيح، جسدهُ السرّي". فالمُمتلكات لن تكون "إلهاً" يُعبَد وطموحاً لفقير الروح، بل فرصة لتحقيق ملكوت الله، ملكوت العدالة والتضامُن مع الآخر المُحتاج، من أجل تعزيز "كنيسة المسيح" وتثبيتها. "وكانَ جَميعُ الَّذينَ آمنوا جماعةً واحِدة، يَجعَلونَ كُلَّ شَيءٍ مُشتَرَكًا بَينَهم، يَبيعونَ أَملاكَهم وأَمْوالَهم، ويَتَقاسَمونَ الثَّمَنَ على قَدْرِ احتِياجِ كُلٍّ مِنْهُم" (أع 2: 44- 45). لقد عاشت الكنيسة الأولى ما أرادهُ الله من شعبهِ:
"إِذا كانَ عِندَكَ فقيرٌ مِن إِخوَتكَ في إِحْدى مُدُنِكَ، في أَرضِكَ الَّتي يُعْطيكَ الرَّب إِلهُكَ إِيَّاها، فلا تُقَسِّ قَلبَكَ ولا تَقبِضْ يَدَكَ عن أَخيكَ الفَقير، بلِ افتَحْ لَه يَدَكَ وأَقرِضْه مِقْدارَ ما يَحْتاجُ إِلَيه. واحذَرْ أَن يَخطُرَ في قَلبِكَ هذا الفِكْرُ التَّافِه، فتَقول: قد قَرُبَتِ السَّنةُ السَّابِعة، سَنةُ الإِبْراء، فتَسوءَ عَينُكَ إِلى أَخيكَ الفَقيرِ ولا تُعطِيَه شَيئًا، فيصرُخُ إِلى الرَّبِّ علَيكَ وتَكونُ علَيكَ خَطيئَة. بل أَعطِهِ، ولا كَرْهًا إِذا أَعطَيتَه، وبِذلك يبارِكُكَ الرَّبّ إِلهُكَ في كُلِّ أَعْمالِكَ وفي كُلِّ مَشاريعِكَ. إِنَّ الأَرضَ لا تَخْلو مِن فَقير، ولذلِكَ أَنا آمُرُكَ اليَومَ قائِلاً: اِفتحْ يَدَكَ لأَخيكَ المِسْكينِ والفَقيرِ الَّذي في أَرضِكَ. (تثنية 16: 7- 11)
أسئلة للتأمل الشخصي:
- هل أستطيع أن أُصلي إلى الله الآب بصدقٍ وأقول: إلهي، أنت وحدَك رجائي ومُبتغاي؟ هل أسعى لتحقيق هذه الصلاة في حياتي اليومية؟ أوَ لا نختبر الحزن والمرارة عندما نفشل في الحصول على ما نرغبهُ ونريده هنا والآن؟ ألم نختبر مشاعر الحسد إزاء نجاح هذا أو ذاك؟
- حين تقرأ أو تسمع هذه الاية "ما مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أَن يَعمَلَ لِسَيِّدَيْن؛ لأَنَّه إِمَّا أَن يُبغِضَ أَحَدَهُما ويُحِبَّ الآخَر، وإِمَّا أَن يَلزَمَ أَحَدَهُما ويَزدَرِيَ الآخَر. لا تَستَطيعونَ أَن تَعمَلوا لِلّهِ ولِلمال" (متّى 6: 24)، فما المعنى الذي تتركه في حياتِك؟ هل تؤمِن بتدبير الله الآب؟ ما أهمية أن يكون لك أملاكٌ وأموال؟ هل تتذمّر على الله بسبب فُقرِك؟
- كم أمتلِك من المُقتنيات الزائدة اليوم؟ وهل أنا بحاجةٍ إليها كلّها؟ هل توقفنا عن شراء ما يعّرض أمامنا ولسنا بحاجة إليه، فقط لأن هذا أو ذاك يمتلكهُ؟ هل أوقفنا تأثير الدعايات الإعلانية في الحصول على المزيد الذي لسنا بحاجةٍ إليه؟ هل نعي حقيقة أن التبذير هو هدرٌ للنعمةِ ويعكسٌ موقفاً مخالفاً لتطويبة فقراء الروح؟
- هل أتعامل مع الأشياء مُبارِكاً وقنوعاً وأتعامل معها بإعتدالٍ أم أُريد إمتلاكَ المزيد؟ كم مرّة تراودني فكّرة: إمتلاك شيءٍ؛ لأن فلاناً امتدحهُ مع أني لست بحاجةٍ إليه؟ أو الحصول على حظوةٍ أو منزلةٍ؛ لأن صديقي (أو أحد معارفي) حصلَ عليها واريدهُ بدافع المنافسة؟
- هل أبحث عن الإمتيازات الإجتماعية؟ وهل أنزعِج من تبوّء أحدهم مكانة أو منصِب متميّز؟ هل يطيبُ لنا أن نُبارِك الآخرين ونهنئهم لنجاحهم، ونشعرُ بفرحِ عطية الله في حياتهِم؟ كيّف أُقيّم كلامي مع الناس: مُعتدِل؟ واقعي؟ إدعائي؟ أُبالِغ في مدح إنجازاتي وقُدراتي؟ أم أني أنتقدُ سلوكيات الآخرين وأفكارِهم؟